استبعاد واعتذار واتهامات..زوبعة مصالح عالمية تضرب إيمان خليف
لا تزال مخلفات الحملة العالمية الممنهجة ضد البطلة الأولمبية الجزائرية إيمان خليف تلقي بظلالها على بطلة الملاكمة بعد التشكيك المتجدد في أهليتها للتنافس مع السيدات، ومن طرف الاتحاد العالمي الجديد للملاكمة بخطوة داس بها على كل المعايير الأخلاقية واللوائح القانونية من خلال الكشف عن السر الطبي قبل أن يتحرك مرة أخرى ويقدم اعتذاره في تأكيد لصراع المصالح المتداخل بخصوص ملف البطلة الجزائرية.
وكان الاتحاد العالمي الجديد للمُلاكمة -الذي تحصّل على اعتراف مؤقت من اللجنة الأولمبية الدولية وسيُدير منافسات “الفن النبيل” في أولمبياد لوس أنجلوس 2028- شرطًا صارمًا على الرياضيين، وفي مقدمتهم الملاكمة الجزائرية، لأجل مشاركتهم مستقبلًا في المسابقات التي تكون تحت إشرافه.
ونشر الاتحاد بيانًا صحفيًّا قبل أيام وجّه فيه خطابه للملاكِمة إيمان خليف (25 عاماً) بشكل خاص، مؤكدًا ضرورة القيام بفحص لتحديد أهلية الرياضيين والرياضيات الراغبين في المشاركة بمسابقاته مستقبلًا، وذلك في إطار سياسة جديدة لضمان توفير بيئة تنافسية متكافئة لكلا الجنسين.
وتفرض السياسة الجديدة على جميع الرياضيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، الخضوع لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل الجيني “PCR”، لتحديد جنسهم عند الولادة وأهليتهم للمنافسة.
ويُعد اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل تقنيةً مختبرية تُستخدم للكشف عن مادة وراثية محددة، وهي في هذه الحالة جين SRY، الذي يكشف عن وجود الكروموسوم Y، وهو مؤشر على الجنس البيولوجي، ويمكن إجراء الاختبار عن طريق مسحة من الأنف أو الفم أو اللعاب أو الدم.
ورافق هذا البيان المثير للجدل قرار آخر يقضي باستبعاد الملاكمة الجزائرية إيمان خليف من المشاركة في دورة أيندهوفن الدولية التي ستقام من 5 إلى 10 يونيو 2025 وعن المنافسات الدولية إلى غاية خضوعها للفحص المذكور.
بعد الاستبعاد وكشف الأسرار.. الاتحاد الدولي يعتذر
وبعد التهويل العالمي الذي رافق بيان الاتحاد الدولي للملاكمة الجديد غير المسؤول، قامت الهيئة الدولية بتوجيه اعتذار رسمي للبطلة الجزائرية عبر الاتحاد الجزائري للملاكمة، جاء فيه: “نكتب إليكم بعد البيان الأخير الصادر عن الاتحاد العالمي للملاكمة بشأن استبعاد إيمان خليف من المشاركة في بطولة أيندهوفن للملاكمة، التي ستقام من 5 إلى 10 يونيو 2025”.
وتابع: “كجزء من النشاط الإعلامي للاتحاد العالمي للملاكمة حول هذا القرار، تم ذكر اسم إيمان خليف بشكل صريح. نكتب إليكم شخصياً لنعبر عن اعتذارنا الرسمي والصادق عن هذا الأمر، ونقر بأنه كانت تنبغي حماية خصوصيتها”.
وأوضح: “ولتوضيح السياق الأوسع حول هذا البيان، فإنه جاء ضمن إعلان أوسع يتعلق بالتطبيق المخطط له لفحوص الجنس الإلزامية، كجزء من سياسة جديدة بعنوان “الجنس، السن، والوزن” والتي يعمل الاتحاد العالمي للملاكمة على وضع اللمسات الأخيرة عليها”.
وأردف: “تهدف هذه السياسة إلى التطبيق الشامل على جميع الرياضيين من الذكور والإناث، لضمان سلامة جميع المشاركين وتوفير بيئة تنافسية عادلة لكل من الرجال والنساء. ولن تتم مراجعة الأداءات السابقة أو نتائج الرياضيين ضمن هذه السياسة”.
وختم: “من المخطط أن تتضمن هذه السياسة آلية للاستئناف، وسيتم توفير الدعم لأي ملاكم أو ملاكمة يحصل على نتيجة اختبار سلبية. سيقوم الاتحاد العالمي للملاكمة قريبًا بنشر تحديث حول المبادئ الأساسية لهذه السياسة وتوقيت تنفيذها”.
ويشير بيان الاتحاد الدولي بوضوح إلى أنه لم يصدر حكماً نهائياً على إيمان خليف وينتظر خضوعها لفحوص جديدة، كما أنه استبعد أي فرضية لتجريدها من ألقابها وفق ما دعت إليه بعض الأطراف، لكنّه أظهر من الجهة الأخرى الجانب المظلم للهيئات الرياضية وصراع المصالح المتشعب في الرياضة العالمية.
دعوة لدعم إيمان خليف ومقاضاة الاتحاد الدولي
خلف قرار الاتحاد الدولي الجديد للملاكمة وبيانه الخارج عن معايير المسؤولية والروح الأولمبية ردود فعل قوية لدى الجماهير الجزائرية والأطراف الفاعلة في الرياضة الجزائرية، خاصةً أن جميع الجزائريين مقتنعون بأن ابنة محافظة تيارت وُلدت أنثى وليست متحولة جنسياً بغض النظر عن التحاليل الطبية والكيمياء الحيوية التي لا تلغي الأصل ولا الصفة في الواقع.
وسارع الإعلامي الجزائري حفيظ دراجي إلى إعلان دعمه للبطة الجزائرية، وقال في منشور على حسابه الرسمي في منصة “فيسبوك”، اليوم الأربعاء: “هل كانت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف ضحية لنفسها، أم لمحيطها واتحادها الرياضي، أم ضحية صراعات الهيئات الدولية؟”.
وتابع: “من المؤكد أن إيمان خليف وُلدت أنثى، وليست متحولة جنسياً، غير أن التحاليل الطبية المسربة كشفت عن احتمال وجود كروموسومات ذكورية في تكوينها الجيني”، وأوضح: “ورغم ذلك، فإنها تظل في نظر الجزائريين رياضية شجاعة، رفعت راية الوطن وواجهت التحديات بكل جرأة”.
وزاد: “اليوم، يقع على عاتقها التعامل مع وضعٍ لا يد لها فيه، كما تقع على المجتمع والجهات المعنية مسؤولية مرافقتها ودعمها لتجاوز التبعات النفسية والاجتماعية لهذه الأزمة”. ووجه دراجي النصيحة لاتحاد الملاكمة الجزائري، قائلاً: “أصبح الاتحاد الجزائري للملاكمة مطالبًا برفع دعوى قضائية ضد الاتحاد الدولي، الذي لم يحترم مبدأ السرية الطبية، وذكر اسم خليف صراحة في البيان الذي أصدره، معلنًا فيه فرض اختبار إلزامي لتحديد الجنس على جميع الملاكمات، وذلك رغم الاعتذار الذي تقدم به لاحقًا”.
وشدد: “خاصة أن إجراء التحاليل الطبية ومعالجتها هو من اختصاص الهيئات الطبية المختصة، وليس من صلاحيات الاتحاد الدولي، الذي لم يُكلّف نفسه حتى عناء الاستماع إلى إيمان خليف أو منحها فرصة للدفاع عن نفسها”.
ولم يكن حفيظ دراجي الجزائري الوحيد الذي طالب بضرورة مقاضاة الاتحاد الدولي للملاكمة الجديد بل كان هذا المطلب جماهيرياً في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في الجزائر، والتي ضجّت بردود الفعل المساندة للبطلة الأولمبية والداعمة لها ضد زوبعة مصالح عالمية ضربت بطلة الشعب الجزائري لكنها ستبقيها شامخة كما فعلت في باريس.