اخبار الرياضة

كونور ترايسي.. قصة حارس أوكلاند سيتي “عامل” مستودع الأدوية

في زاوية نائية من العالم، حيث تنبض كرة القدم بقلبها النقي، تتجلى قصة لا تشبه القصص المعتادة عن النجومية والاحتراف الباذخ، حيث تبرز قصة إنسانية مختلفة بطلها النيوزيلندي كونور تراسي حارس مرمى أوكلاند سيتي، الذي يعيش حياة مزدوجة تجمع بين الشغف بكرة القدم والعمل اليومي في وظيفة لا تمت بصلة للملاعب.

قصة كونور تراسي تمثل مفارقة في عالم تتسارع فيه وتيرة الاحترافية، فبينما تتنافس الأندية العملاقة على ضم أغلى اللاعبين وتستثمر الملايين في البنية التحتية، يقف تراسي ورفاقه شاهدين على أن الشغف والحلم يمكن أن يتجاوزا قيود المال، ليحلقوا بأجنحة الإصرار نحو منصات عالمية لم يحلم بها الكثيرون.

فبينما يتجه نجوم الأندية الكبرى إلى مراكز التدريب الفاخرة ويمتلكون أنظمة احترافية متكاملة، يقضي تراسي نهاره مشرفًا في مستودع للإمدادات البيطرية. نعم، لقد قرأتها بشكل صحيح. في كل يوم، قبل أن يرتدي قفازيه ويقف بين الخشبات الثلاث، يشرف كونور على توزيع الأغذية والأدوية الخاضعة للرقابة على الأطباء البيطريين في جميع أنحاء نيوزيلندا.

ورغم الطبيعة المتطلبة لعمله، ينجح كونور تراسي في التوفيق بين عمله المهني ومسيرته الرياضية مع فريقه أوكلاند سيتي، الذي يُعد النادي الوحيد الهاوي المشارك في نسخة 2025 من كأس العالم للأندية، والمقامة لأول مرة بالنظام الجديد في الولايات المتحدة.

ويقول كونور تراسي، في حوار مع شبكة “ESPN“، إنه يعمل بدوام كامل يمتد في كثير من الأحيان لأكثر من 40 ساعة أسبوعيًا، حيث يبدأ يومه منذ ساعات الصباح الباكر داخل مستودع الإمدادات البيطرية، ثم يتوجه مساءً إلى تدريبات كرة القدم، التي لا تبدأ أحيانًا قبل الساعة الثامنة أو التاسعة ليلًا، ما يجعله يعود إلى منزله في وقت متأخر جدًا. وأشار إلى أن هذه الوتيرة اليومية مرهقة على المستويين البدني والذهني، لكنها في الوقت ذاته تمثل واقعًا يعيشه عدد كبير من لاعبي كرة القدم حول العالم الذين لا يحظون بامتيازات الاحتراف.

من هذا المنطلق، يرى كونور تراسي نفسه ممثلًا لغالبية اللاعبين الذين يخوضون اللعبة بدافع الشغف لا العائد المادي، حيث يقول: “نحن نمثل 99.9٪ من لاعبي كرة القدم في العالم، فنحن من نعمل ونتدرب ونلعب، ولسنا ضمن تلك النخبة الصغيرة التي تحترف اللعبة بشكل كامل. هذه هي كرة القدم الحقيقية بالنسبة لي”.

ويُعزز هذا الواقع وضع النادي نفسه، إذ لا يمنح أوكلاند سيتي لاعبيه رواتب احترافية، بل يكتفي بمكافآت رمزية لا تتجاوز 600 دولار أمريكي شهريًا. وهذا ما يضطر الغالبية العظمى من اللاعبين، بمن فيهم تراسي، إلى الاعتماد الكامل على وظائفهم اليومية كمصدر دخل أساسي، الأمر الذي يُفسّر التزامهم المزدوج داخل الملعب وخارجه.

ورغم ضغوط العمل ومحدودية الموارد، يخوض تراسي تحدياً جديداً مع فريقه في كأس العالم للأندية، كونه بطل منطقة أوقيانوسيا، في بطولة تضم نخبة أندية العالم من أوروبا وأمريكا الجنوبية؛ ووصف اللاعب هذه المشاركة بأنها “فرصة فريدة لا تتكرر”، نظرًا لما تمثله من احتكاك نادر بين فريق هاوٍ ولاعبين من طراز عالمي.

شقيق كونور تراسي توقع سقوطهم الكبير في كأس العالم للأندية 2025!

وفي سياقٍ ساخر لا يخلو من الواقعية، قال تراسي مازحًا في حديثه مع “ESPN”: “أخي الأكبر قال لي إن هاري كين قد يسجل عشرة أهداف في مرماكم!”، لكنه أردف مؤكدًا: “أنا أرى في هذا التحدي مصدر إلهام. نحن نعلم أننا لن نفوز بالبطولة، لكن مجرد المشاركة فيها وتمثيل هذه الفئة من اللاعبين غير المحترفين، هو أمر كافٍ بالنسبة لي”.

هذا الحلم لا يتحقق من دون تضحيات، فالموازنة بين العمل الشاق في المستودع والتدريبات اليومية المكثفة ليست بالأمر السهل. قبل سفره إلى الولايات المتحدة للمشاركة في البطولة، تحمل كونور تراسي مسؤوليات إضافية وعمل لساعات طويلة، ما تسبب له بإرهاق جسدي واضح. وعن ذلك يقول: “الإجازة دائمًا ما تكون مشكلة، إنها ليست سهلة أبدًا”، مشيرًا إلى أنه حين التحق بوظيفته الحالية، أخبرهم منذ البداية بالتزاماته الكروية لضمان التفاهم بين الطرفين.

لكن هذه التضحيات ليست حكرًا على كونور تراسي وحده، بل تمثل سمة جماعية للاعبي أوكلاند سيتي، حيث يعمل الجميع خلال النهار في وظائفهم، ثم يتوجهون مباشرة إلى التدريبات، ليعودوا إلى منازلهم مرهقين في ساعة متأخرة. ورغم ذلك، لا يشتكون، بل يتمسكون بحلمهم، ويواصلون القتال من أجل تمثيل نادٍ اختار أن يكون الاستثناء في بطولة تهيمن عليها الأندية الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى